هـــمـــوم"
لقد قعدتُ إلى حاسوبي ,أعدُّ ذنوبي ، أستجمعُ هموميَ السَّقيمةَ ، وأجسُّ
كوامنَ نفسي الرَّحيمةِ ، في فتورٍ وتعبٍ ، وملالٍ ونصبٍ ، وقد طفحَ بيَ
الكيلُ وانهالََ عليَّ الهمُّ انهيالَ السَّيلِ ، فكدتُ أغرقُ في بحار
الذكرياتِ المرَّةِ ، أحاولُ منها النَّجاةَ، وأسبحُ في أغوارِ الحنادس
الثرَّةِ ، أنادمُ فيها الحياةَ ،وقد عافت نفسي مشاكلَ الدُّنيا
الدَّنيَّة ، وتطلعتْ لراحةِ القلبِ الهنيَّة ، ولكن دون جدوى ، وقد مَثلَ
أماميَ الأعداءُ وهم يسخرون ، وفي أرضِ غزَّة يعبثون ، وفي العراق يرقصون
، وبيننا وبينهم ثأرٌ قديمٌ ، وَوَتْرٌ نابضٌ جسيمٌ ، وتبلٌ ماله من سلامٍ
، وذحلٌ ما له من فطامٍ ، وعداوةٌ تجمعها بغضاءُ ،وإحنةٌ توقدُها شحناءُ ،
ودمنةٌ ذابت بحوضِها الضَّغناءُ ، وأنا مغضبٌ مغتاظٌ ، يضطرمُ قلبي عليهم
اضطراماً ، ويشتعلُ من جَورهم اشتعالاً ، فما من موضعٍ فيه إلا استكنَّ في
زواياه الغضبُ ،وما من فسحةٍ في نواحيه إلا تملؤها النِّيران والحطبُ ،
فاستشاطَ من ذلك وازمهرَّ واسمغدَّ من حَالِكٍ واكفهرَّ ، واخرنطمَ
واشمأزَ ،وتعاظمَ واستفزَّ ، فما وجدتُ شيئاً يسِّكنُ اضطرامَه ، أو يزيلُ
احتدامَه ،سوى أن أسبحَ في بحرِ ذكرياتي المرِّ الغريقِ ، وأغطسَ في نهرِ
سجلاتي الثرِّ العميقِ ، استجمعُ ألوانَ الفكرِ القديمة ، وأسترجعُ ألحانَ
العمرِ العديمة ، وفيما أنا أحاولُ في ذاتي ، وأستجمعُ بالحزنِ أنينَ
ذكرياتي ، تلألأت عَبراتي فوقَ الجفونِ ،وتصوَّحتْ نبراتي حتى تحيَّرت
منها الظُّنون ، وقد أطلت الذِّكرياتُ المرَّةُ برأسِها الصَّغير ، تطالع
الحياة من عُشِّها الكسير ،تحاول أن تسريَ عنيِّ بعضَ ما أجد ، أو تخفف
عنِّي من حدَّة هذا النَّكد وأنا لا أكاد أبصرُ حرفاً ، من شدَّةِ الإرهاق
والضَّنى،أو أطرف طرفاً ، من شدة الإغراقِ والعنا ، وقلت في نفسي وأنا بين
أحضانِ السَّكينة ،جاثماً بين ذراعي نفسي المسكينة :إلام هذا العدوّ
البغيض يلهثُ في حياتنا ، ويبسط كفَّه الشَّوهاء ، في حشا ذكرياتِنا ،
ونحن لا ندري كيف نستجمعُ من أرواحِنا حبَّاتِها ، وننثر من نواحنا
فلذاتِها ، وقد نامت الأحلامُ في فراشِها الهزيل ، وتفجَّر ينبوع السقامِ
من نعاسِها القليل ، لم أجد ما أفعله إلا أن أعاندَ رسيسَ السِّناتِ ،
نكايةً فيه ، أو أجالدَ هواجسَ العداةِ ، بالرغم من تراقيه ، وأنا أحسُّ
بدبيبِ السُّباتِ يجري في كياني، ونعاسِ الدَّواةِ يرتعُ في ربيعِ أجفاني
، فارتميتُ أحاولُ أن أجتذبَ حبالَ النَّومِ الطَّويلة، أو أهدأَ بين
نقيقِ ضفادعِ اللومِ النَّحيلة، ولكن دون جدوى .. كانت الحبالُ عصيةً من
بأسِها المفتولِ لا تطاق ، قد شددت بكفِّها المصقولِ نواحيَ الآفاق وأنا
أراني قابعاً بين أصابعِ هذا السُّكون الرهيبِ ، أحاولُ أن أطفوَ فوقَ
سراجِ هذا الموجِ الغريبِ ،والشِّراع ما يزال ، غارساً منقارَهُ في كبدِ
الرِّمال ، لا أستطيع الإبحارَ وقد زاغَ القمر ، تحوَّل بوجهه الضَّحوك
إلى فضاء النَّهر ، وزهرتي النَّاضرة نكستْ رأسَها من الذُّبولِ ، والكونُ
ملتفٌ في عباءته القديمةِ من الخمول ،يلهثُ من ثورته الجسيمة، بين أحضانِ
الحقول ، وبدت النُّجومُ مكفهرةَ الوجوه ، كأنَّما أُجْبرتْ على النُّزولِ
،ووجهها تمحوه معالمُ الأفولِ ، وهذه أمواجُ روحي تصطخب وبحر عمري يضطرب ،
لا يسبحُ فيه من خوائه سابحٌ، ولا يمتح فيه من نضوبه ماتحٌ ، جفَّ حلقي من
عصيرِ الأحزانِ المرِّ ، وتاه فكري من سياطِ نعيقِ الحَرِّ ، رجلاي
ترتعشان من السُُّيوفِ الماضية ، ويداي تضطربان من مدافعِ الأسقامِ
الدَّاوية لم أعد أحسُّ أنني من بني الطِّين ، إذا صحوتُ في ملاحفِ الأنين
، أكسرُ صخورَ العدمِ ،وأرفعُ من الأحلامِ نوابغَ الكلمِ ، لا أدري ما
أقولُ وقد نامَ طموحي في جبَّته البالية ،واتكأَ تطلعي على جنبتِهِ
الخاويةِ ، وانطفأتْ فيَّ مباهجُ الفرحِ ، وتحطَّمتْ فيَّ مراكبُ المرحِ ،
وصرتُ كأنَّني طريحٌ لا يريمُ ، أو صخرةٌ رُميتْ في مدفنٍ قديمٍ ، لا أحدَ
في محنةِ أُمَّتِي أراهُ ، سوى آهٍ وألف آهٍ ، فيا أيتها الطُّيورُ
الوادعةُ التي ترفُّ بالجناحِ ،وتقطعُ بريشِهَا الورديِّ ملاحفَ الرِّياحِ
، وتبتسمُ للنُّورِ الزكيَّ في صِباه ،وتهدهدُ الوجدَ النَّدِيَّ في عُلاه
، لا تكسري فينا نوافذَ الحياة ، إنَّ رفيفَ الزُّهورِ في صباهَا ، وبليلَ
النَّدى اللَّوزِي في رُبَاها ، جعلتنا نخاطبُ الكونَ لعلَّهُ يفيقُ ،
ونسكبُ في حجْرِهِ مدامعَ العقيقِ ، وزهرتي الهزيلةُ تودِّعُ الحياةَ ،
أشمُّهَا ذليلةً ، كحطبِ الفلاةِ ، آمالُنا العرجاءُ تدبُّ كالعجوزِ
الفانيةِ ، تسحبُ كالبلهاءِ في الطرقاتِ الدانيةِ ،وهذا الاخطبوط الذي
يلوينا، في كفِّه المثقوب يحتسينا ،ألا نتحوَّلُ عنه ونسيرُ ، نعانقُ
الحياةَ في الموسمِ المطيرِ ، ونبصرُ الأحلامَ في مهدِهَا الصَّغيرِ
،تكادُ من فرحةِ العمرِ تطيرُ ، وأرى قطتَّي اللعوبَ ،تغمسُ أفراحَهَا في
موكبِ الغروبِ ، وتزرعُ في ظنِّها مغانيَ الفرحِ ، نائيةً عن منبتِ
الأنينِ والتَّرحِ .
أهذا السَّيفُ سيفي يا رجب ، أم أنه نشارةٌ من الخشب ؟ وأنا الذي ما كنتُ
في الميدانِ ،إلا شواظاً من لظَى النِّيرانِ ، أجرُّ رجليَّ من بصيصِ
التَّعبِ ، وارفعُ بقايا هامتي من النَّصبِ ! يا للعجب .
كان جدُّنا العظيمُ كالجمرِ يتوقدُ ، عيناه كأنها من زبدةِ الزَّبرجدِ ،
يداه كأنَّها مبسوطتين جوهرٌ ،لما تخطَّى أعتابَ الوصالِ ، تبخَّر أو ذاب
بين أكتافِ الرِّمال
لقد قعدتُ إلى حاسوبي ,أعدُّ ذنوبي ، أستجمعُ هموميَ السَّقيمةَ ، وأجسُّ
كوامنَ نفسي الرَّحيمةِ ، في فتورٍ وتعبٍ ، وملالٍ ونصبٍ ، وقد طفحَ بيَ
الكيلُ وانهالََ عليَّ الهمُّ انهيالَ السَّيلِ ، فكدتُ أغرقُ في بحار
الذكرياتِ المرَّةِ ، أحاولُ منها النَّجاةَ، وأسبحُ في أغوارِ الحنادس
الثرَّةِ ، أنادمُ فيها الحياةَ ،وقد عافت نفسي مشاكلَ الدُّنيا
الدَّنيَّة ، وتطلعتْ لراحةِ القلبِ الهنيَّة ، ولكن دون جدوى ، وقد مَثلَ
أماميَ الأعداءُ وهم يسخرون ، وفي أرضِ غزَّة يعبثون ، وفي العراق يرقصون
، وبيننا وبينهم ثأرٌ قديمٌ ، وَوَتْرٌ نابضٌ جسيمٌ ، وتبلٌ ماله من سلامٍ
، وذحلٌ ما له من فطامٍ ، وعداوةٌ تجمعها بغضاءُ ،وإحنةٌ توقدُها شحناءُ ،
ودمنةٌ ذابت بحوضِها الضَّغناءُ ، وأنا مغضبٌ مغتاظٌ ، يضطرمُ قلبي عليهم
اضطراماً ، ويشتعلُ من جَورهم اشتعالاً ، فما من موضعٍ فيه إلا استكنَّ في
زواياه الغضبُ ،وما من فسحةٍ في نواحيه إلا تملؤها النِّيران والحطبُ ،
فاستشاطَ من ذلك وازمهرَّ واسمغدَّ من حَالِكٍ واكفهرَّ ، واخرنطمَ
واشمأزَ ،وتعاظمَ واستفزَّ ، فما وجدتُ شيئاً يسِّكنُ اضطرامَه ، أو يزيلُ
احتدامَه ،سوى أن أسبحَ في بحرِ ذكرياتي المرِّ الغريقِ ، وأغطسَ في نهرِ
سجلاتي الثرِّ العميقِ ، استجمعُ ألوانَ الفكرِ القديمة ، وأسترجعُ ألحانَ
العمرِ العديمة ، وفيما أنا أحاولُ في ذاتي ، وأستجمعُ بالحزنِ أنينَ
ذكرياتي ، تلألأت عَبراتي فوقَ الجفونِ ،وتصوَّحتْ نبراتي حتى تحيَّرت
منها الظُّنون ، وقد أطلت الذِّكرياتُ المرَّةُ برأسِها الصَّغير ، تطالع
الحياة من عُشِّها الكسير ،تحاول أن تسريَ عنيِّ بعضَ ما أجد ، أو تخفف
عنِّي من حدَّة هذا النَّكد وأنا لا أكاد أبصرُ حرفاً ، من شدَّةِ الإرهاق
والضَّنى،أو أطرف طرفاً ، من شدة الإغراقِ والعنا ، وقلت في نفسي وأنا بين
أحضانِ السَّكينة ،جاثماً بين ذراعي نفسي المسكينة :إلام هذا العدوّ
البغيض يلهثُ في حياتنا ، ويبسط كفَّه الشَّوهاء ، في حشا ذكرياتِنا ،
ونحن لا ندري كيف نستجمعُ من أرواحِنا حبَّاتِها ، وننثر من نواحنا
فلذاتِها ، وقد نامت الأحلامُ في فراشِها الهزيل ، وتفجَّر ينبوع السقامِ
من نعاسِها القليل ، لم أجد ما أفعله إلا أن أعاندَ رسيسَ السِّناتِ ،
نكايةً فيه ، أو أجالدَ هواجسَ العداةِ ، بالرغم من تراقيه ، وأنا أحسُّ
بدبيبِ السُّباتِ يجري في كياني، ونعاسِ الدَّواةِ يرتعُ في ربيعِ أجفاني
، فارتميتُ أحاولُ أن أجتذبَ حبالَ النَّومِ الطَّويلة، أو أهدأَ بين
نقيقِ ضفادعِ اللومِ النَّحيلة، ولكن دون جدوى .. كانت الحبالُ عصيةً من
بأسِها المفتولِ لا تطاق ، قد شددت بكفِّها المصقولِ نواحيَ الآفاق وأنا
أراني قابعاً بين أصابعِ هذا السُّكون الرهيبِ ، أحاولُ أن أطفوَ فوقَ
سراجِ هذا الموجِ الغريبِ ،والشِّراع ما يزال ، غارساً منقارَهُ في كبدِ
الرِّمال ، لا أستطيع الإبحارَ وقد زاغَ القمر ، تحوَّل بوجهه الضَّحوك
إلى فضاء النَّهر ، وزهرتي النَّاضرة نكستْ رأسَها من الذُّبولِ ، والكونُ
ملتفٌ في عباءته القديمةِ من الخمول ،يلهثُ من ثورته الجسيمة، بين أحضانِ
الحقول ، وبدت النُّجومُ مكفهرةَ الوجوه ، كأنَّما أُجْبرتْ على النُّزولِ
،ووجهها تمحوه معالمُ الأفولِ ، وهذه أمواجُ روحي تصطخب وبحر عمري يضطرب ،
لا يسبحُ فيه من خوائه سابحٌ، ولا يمتح فيه من نضوبه ماتحٌ ، جفَّ حلقي من
عصيرِ الأحزانِ المرِّ ، وتاه فكري من سياطِ نعيقِ الحَرِّ ، رجلاي
ترتعشان من السُُّيوفِ الماضية ، ويداي تضطربان من مدافعِ الأسقامِ
الدَّاوية لم أعد أحسُّ أنني من بني الطِّين ، إذا صحوتُ في ملاحفِ الأنين
، أكسرُ صخورَ العدمِ ،وأرفعُ من الأحلامِ نوابغَ الكلمِ ، لا أدري ما
أقولُ وقد نامَ طموحي في جبَّته البالية ،واتكأَ تطلعي على جنبتِهِ
الخاويةِ ، وانطفأتْ فيَّ مباهجُ الفرحِ ، وتحطَّمتْ فيَّ مراكبُ المرحِ ،
وصرتُ كأنَّني طريحٌ لا يريمُ ، أو صخرةٌ رُميتْ في مدفنٍ قديمٍ ، لا أحدَ
في محنةِ أُمَّتِي أراهُ ، سوى آهٍ وألف آهٍ ، فيا أيتها الطُّيورُ
الوادعةُ التي ترفُّ بالجناحِ ،وتقطعُ بريشِهَا الورديِّ ملاحفَ الرِّياحِ
، وتبتسمُ للنُّورِ الزكيَّ في صِباه ،وتهدهدُ الوجدَ النَّدِيَّ في عُلاه
، لا تكسري فينا نوافذَ الحياة ، إنَّ رفيفَ الزُّهورِ في صباهَا ، وبليلَ
النَّدى اللَّوزِي في رُبَاها ، جعلتنا نخاطبُ الكونَ لعلَّهُ يفيقُ ،
ونسكبُ في حجْرِهِ مدامعَ العقيقِ ، وزهرتي الهزيلةُ تودِّعُ الحياةَ ،
أشمُّهَا ذليلةً ، كحطبِ الفلاةِ ، آمالُنا العرجاءُ تدبُّ كالعجوزِ
الفانيةِ ، تسحبُ كالبلهاءِ في الطرقاتِ الدانيةِ ،وهذا الاخطبوط الذي
يلوينا، في كفِّه المثقوب يحتسينا ،ألا نتحوَّلُ عنه ونسيرُ ، نعانقُ
الحياةَ في الموسمِ المطيرِ ، ونبصرُ الأحلامَ في مهدِهَا الصَّغيرِ
،تكادُ من فرحةِ العمرِ تطيرُ ، وأرى قطتَّي اللعوبَ ،تغمسُ أفراحَهَا في
موكبِ الغروبِ ، وتزرعُ في ظنِّها مغانيَ الفرحِ ، نائيةً عن منبتِ
الأنينِ والتَّرحِ .
أهذا السَّيفُ سيفي يا رجب ، أم أنه نشارةٌ من الخشب ؟ وأنا الذي ما كنتُ
في الميدانِ ،إلا شواظاً من لظَى النِّيرانِ ، أجرُّ رجليَّ من بصيصِ
التَّعبِ ، وارفعُ بقايا هامتي من النَّصبِ ! يا للعجب .
كان جدُّنا العظيمُ كالجمرِ يتوقدُ ، عيناه كأنها من زبدةِ الزَّبرجدِ ،
يداه كأنَّها مبسوطتين جوهرٌ ،لما تخطَّى أعتابَ الوصالِ ، تبخَّر أو ذاب
بين أكتافِ الرِّمال